رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
نفس الوقت أنا مضطر أفحصك من تاني.
رفضت بلباقة
الموضوع مش مهم دلوقتي هيروح الألم.
مد يده ليمسك بكفها احتضنه بين راحتيه فاقشعر بدنها للمسته الرقيقة وأصر عليها مستخدما طريقته المعسولة في التأثير عليها
أرجوكي يا ناريمان عشان أستريح أنا بالي هيفضل كده مشغول عليكي.
أعطته هذه النظرة الجادة فقابلها بأخرى راجية مثل نبرته
استسلمت في النهاية مرددة
أوكي.
قام واقفا وسحبها من يدها نحو الخارج ليستقلا معا سيارته حيث اتجه بها إلى المشفى للقيام بالإجراءات اللازمة لفحص حالتها في الحال.
...........................................
لم تمانع على الإطلاق تحمل عبء هذه النفقات الإضافية وتوفير مربية ذات خبرة في التعامل مع الصغار بجانب الخادمة من أجل رفع مستوى معيشة أسرتها وخصوصا بعدما أصبحت فترات مكوث زوجها بالمنزل أكثر. طمحت في أن تكون حياتهما معا تحوي كل ما كان يصبو إليه يوما. بصعوبة تمكنت تهاني من بلع ما تبقى في صحنها لتعلق على زوجها الذي نقل إليها خبر خطوبة مهاب وضعت يدها أمام فمها لتمنع تناثر البقايا وهتفت في غير تصديق
أكد لها بإيماءة من رأسه وقد مسح بالمنشفة الصغيرة فمه
أيوه يا تهاني الحاجات دي مافيهاش هزار.
ابتسمت في سعادة غريبة ورددت في قدر من الشماتة
خليه يتلبخ بيها علشان ما يركزش معانا ويبوظ علينا حياتنا.
على ما يبدو لم يصغ إلى ما قالته وانشغل بالاستغراق في التفكير فهسهس لنفسه في حقد دفين
لم تتبين ما يهمهم به فسألته مستفهمة
بتقول إيه مش سمعاك
لم يجبها ونهض عابسا من على مقعده فتبعته ثم فرقعت بإصبعيها لتستدعي الخادمة فتقوم بجمع الأطباق والصحون وإعادة تنظيف وترتيب مائدة الطعام. لحقت به عندما جلس بالصالة ليشعل سيجارته ونظرت إليه عندما تكلم في قدر من التهكم الناقم
فاجأها اختياره ورددت مصډومة
كمان!
اعتدلت في جلستها ولاحقته بالأسئلة الفضولية
يعني هي وافقت وهي عارفة إنه كان متجوز وعنده ولد
رمقها بنظرة ذات مدلول غير مفهوم لها قبل أن يشبك كفيه معا واصفا الأمر
يا حبيبتي فلوس بتتجوز فلوس الكلام ده مايفرقش معاهم.
استندت تهاني براحتيها على مسند الأريكة وقالت في غنج مشوب بالتسلط
رمقها بهذه النظرة المستخفة ليعلق بعدها
ده إنتي المفروض تخافي عليها منه.
انزعجت من تلميحه المسيء وهتفت في عبوس متصنع
ممدوح!
تجاهل تحذيرها الضمني واستمر في التحامل عليه
دي الحقيقة ابنك هيخرب عليهم وبكرة أفكرك.
تمسكت بتبرئة ساحة ابنها من اتهامه غير الحقيقي فأردفت قائلة
مش للدرجادي ده عيل صغير مايفهمش حاجة.
أنا هشوف البنات.
انتصبت في جلستها ونظرت إليه بضيق طفيف شعرت وكأنها قد بالغت في الدفاع عنه دون داع وصاحبت زوجها بنظراتها القلقة إلى أن اختفى عن محيطها.
............................................
في تلك الأثناء كان أوس يجلس على الأرضية في غرفة التوأم يلهو بلعبته وفي نفس الآن يتسلى بصحبتهما. حينما سمع همهمة إحداهما نهض من مكانه وراح ينظر إليها في عطف رفع قبعة الرأس عن الرضيعة بيسان عندما وجدتها قد سقطت على عينيها وتسبب لها الإزعاج ابتسم لها في وداعة وتحرك تجاه النائمة ليان تأكد من ثبات قبعتها هي الأخرى قبل أن يستدير
بجسده ليجد ممدوح واقفا عند عتبة الغرفة وينظر إليه بعينين تقدحان بالشړ لن ينكر أن داخله اهتز من طريقة تطلعه إليه تجهم ليواري على خوفه وتحفز في وقفته بارتباك عندما هدر فيه بحدة غاضبة
إنت بتعمل إيه
واتته الفرصة على طبق من ذهب ليدعي بالكذب عليه فيفسد الود الذي كان قائما بينه وبين والدته ويزرع في نفسها الشكوك ناحيته فحينما يلجأ إليها ليشكوها من شيء ما وجد تعنيفا لا ترحيبا! تقدم ناحيته مندفعا وهو يكرر عليه سؤاله المشوب بالاتهام فأنكره أوس بثبات
ما عملتش حاجة!
انقض عليه ليمسك به من عنقه ثم جذبه بعيدا عن الرضيعتين ليدفعه پعنف نحو الدولاب وهو مستمر في صراخه الذي أوقظهما
إياك تقرب منهم!
بكت الرضيعتان في فزع وجاءت تهاني ركضا وهي تتساءل في استرابة قلقة
إيه اللي حصل
في التو أجابها ممدوح وهو يشير بإصبع الاتهام إليه ليقطع عليه أي وسيلة لكشف كذبه
الأخ الكبير شوفته وهو بيكتم نفسهم.
لوى أوس وجهه پغضب وصاح فيه مستهجنا وبعصبية تماثله
محصلش ده كداب.
ارتفع صړاخ الرضيعتان فانتقلت تهاني لتجاورهما وراحت توبخ ابنها بأسلوب شبه لاذع دون منحه فرصة الدفاع عن نفسه
أوس! برضوه مصمم تعمل الغلط مش أنا نبهت عليك
نظر لها مصډوما وبعينين ذاهلتين وهي لا تزال تلقي بكامل اللوم على ابنها
بجد إنت تعبتني أعمل إيه بس معاك
اشټعل داخلها بغضبه المتأجج وراح يهتف في حړقة
صدقيني يا ماما أنا معملتش حاجة!
توقف للحظة ليأخذ نفسه ثم استأنف مشيرا بسبابته نحو من يبغض بشدة
هو بيكدب!
وكأن تأثير كلمته الأخيرة قد أعطته التفويض ليتعامل معه مثلما أراد بكل عدائية وقسۏة فاستغل تأزم الوضع ليقول بتشدد
المرادي أنا مش هسكت كله إلا البنات يا تهاني!!
كانت على وشك النطق بشيء فأخرسها بصرامته وإصبعه مرفوع أمام وجهها
وإياكي تتدخلي وإلا هنزعل من بعض.
ارتاعت من تهديده وقفز قلبها بين ضلوعها فرجته
ممدوح!
أمرها بصرامة وهو يتحرك صوب أوس في انقضاض واضح
خليكي هنا!
أمسك به من مؤخرة عنقه فركله أوس بشراسة في ركبته ليوجعه صارخا به
ابعد عني شيل إيدك.
تحمل ضړبته العڼيفة وتصدى لمحاولاته للإفلات منه ليتمكن في النهاية من اصطياده فقام بتطويق عنقه بذراعه القوي واستخدم الآخر في تقييد معصميه ليصبح تحت رحمته ثم دفعه دفعا إلى الخارج وهو يفح بالقرب من أذنه بوعيد مخيف
وريني أبوك هيحميك إزاي مني !!!
يتبع الرابع والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
خلل
بمجرد أن اختلى به في غرفته ألقاه أرضا بخشونة واضحة لتصطدم رأسه بالأرضية الصلبة ربما لم يفكر في إيذائه بدنيا لكن فكرة إرهابه في حد ذاتها وترويض تمرده إن لزم الأمر بأي وسيلة يراها مناسبة كانت وحدها كفيلة بجعل ذلك الشعور الممتع بالسيطرة يغمره بقوة. ارتسم
محدش يقدر يحميك مني مهما كان مين..
ضغط على كل كلمة تفوه بها حين واصل الكلام وهو يسدد له تلك النظرة القاتمة
حتى أبوك...
أنا عرفت أضحك عليه إزاي وأخليه يبقى في صفي لأن ببساطة أنا فاهمه كويس وكل مفاتيحه معايا.
تزحف أوس للخلف على مرفقيه حين خطا تجاهه لينأى بنفسه عن أي حركة غدر غير متوقعة
من هنا ورايح روحك بقت في إيدي.
لحظتها ارتفع الخفقان في قلب الصغير كردة فعل على تهديده تحول صوت شهقته لصړخة مكتومة وقد بلغه فجأة لينقض عليه قابضا على ذقنه رفعه منها ليجبره على النهوض فتأوه الصغير من الألم لم يتركه ممدوح بل زاد من ضغطه وهو يتوعده بلا هوادة
وحياتك چحيم معايا!
حاول أوس انتزاع أصابعه من على فكيه بأقصى طاقته لكنه عجز أمام قوته الجسمانية المتحكمة به كان كالدمية تحت قبضته يطوحه هنا وهناك كيفما يشاء آنئذ تزعزعت الثقة التي كانت تسود داخله بأنه قادر على كبحه والتصدي له حين يفكر بالبطش به. مرة ثانية دفعه ممدوح أرضا لينكب على ظهره قبل أن تأتيه ركلة متوسطة القوة في ساقه أتبعها وعيده القاسې
مش هرحمك سامعني هخليك ماتدوقش طعم النوم...
جحظت عيناه ارتعابا فانتشى لأنه نجح بأقل مجهود في تخويفه وأكمل على نفس النهج المثير للارتياع
ومش هتقدر تنطق بحرف من اللي هعمله فيك!
ثم رفع إصبعه أمام وجهه ليأمره بعدئذ بصرامة غلفت نبرته وملامحه
خليك هنا مش هتخرج غير بأمر مني.
ألحق بجملته هذه نظرة هازئة به ليشرع بالتحرك مرددا في قدر من التهكم
سلام يا ابن مهاب!
ظلت عينا أوس معلقتين بآثار طيفه رغم انصرافه وغلقه للباب من الخارج بالمفتاح ليظل بمفرده حبيس غرفته للغرابة وجد جسده يرتجف وكأن عالم الأمان الذي ظن أنه محاط به قد تبخر في غمضة عين انكمش على نفسه ونكس رأسه بين ركبتيه المضمومتين إلى صدره حاوط جسده بذراعيه محاولا التغلب على ذلك الشعور الغريب الذي لم يعتد عليه بعد أن تصبح ضعيفا!
أتت نتائج الفحوصات الدقيقة والإشاعات المطلوبة ولم تكن مبشرة على الإطلاق بل تضمنت أمرا خشي الإفصاح عنه إذ من المحتمل أن ېخرب كل شيء أعد له مسبقا ليخطط مستقبل حياته إن لم يتعامل معه بحرفية وروية. جلست ناريمان في مواجهة مهاب بالمشفى وعلى وجهها ابتسامتها المتألقة تدللت وهي تعبث بشعرها أثناء حديثها اللطيف معه لكنه علق بجدية مريبة
أنا مش عاوزك تتخضي.
اندهشت لطريقته واستطردت
في إيه يا مهاب
صمت ولم يقل كلمة فظهر الذعر عليها وبهتت ملامحها تقطعت أنفاسها وهب تخاطبه في نبرة ملحة
من فضلك اتكلم إنت كده قلقتني.
تنحنح موضحا بنوع من الحذر
للأسف الأشعة مبينة ورم على المبيض اليمين.
شعرت أن أعصابها قد تجمدت وجف جلدها استفاقت من لحظة جمودها فبرزت عيناها على اتساعهما وهي تردد في ذهول مڤزوع
ورم!
ظلت
تكرر الكلمة لبضعة مرات بلا صوت بدت وكأنها غير قادرة على استيعاب ما يقول شل تفكيرها لهنيهة فتشتت وشردت وباتت في عالم آخر بالكاد انتبهت له وهو يخبرها بكلمات منتقاة بعناية
وجوده خطړ ولازم يتم استئصاله في أقرب وقت.
حين أدركت حجم الکاړثة التي حلت بها صړخت في هلع بعدما انتفضت واقفة
مش ممكن أنا عندي ورم
ارتجف كامل بدنها كانت على وشك الإغماء من هول الصدمة في التو قام مهاب من موضع
ناريمان مټخافيش دي حاجة بسيطة...
نظر في عينيها مباشرة لكنها لم تكن تراه ڠرقت في موجة من الأفكار السوداوية المهلكة هزها بخفة ليستعيد مداركها وهو لا يزال يكلمها بنبرته الهادئة
وبعدين أنا بنفسي اللي هعملك العملية دي.
وكأنه انتشلها من ضلالات الخۏف التي استحوذت عليها بتأكيده الهادئ
إنتي في إيد أمينة معايا.
أنا لازم أمشي.
التقطت حقيبتها وألقتها على كتفها لتهرول خارجة من غرفته وأنهر من الدموع تجري على صفحة وجهها بتدافع في الحال جمع مهاب أشيائه الخاصة وركض خلفها هاتفا
.تأملت بتركيز كبير ما احتواه الأنبوب الطبي وهي تحمله بإصبعيها قبل أن تدون في الكتيب الصغير الذي بحوزتها بعض المعلومات عنه أعادت الأنبوب لموضعه في عناية بالحامل وانتقلت لآخر لتنظر لما به بانتباه. أدارت تهاني رأسها للجانب عندما انضم إليها زوجها بالمعمل منحته ابتسامة ناعمة مصحوبة بقبلة صغيرة على وجنته لتتبدل تعبيراتها المسترخية للجدية عندما استطرد بلا مقدمات في غموض محير
عرفتي اللي حصل
زوت ما بين حاجبيها متسائلة في اهتمام
خير
سحب من يدها الكتيب ونظر إلى ما توصلت إليه مط فمه في إعجاب ثم تكلم في صيغة تساؤلية
وصلك خبر إن خطيبة مهاب بتعمل عندنا عملية كبيرة هنا
تدلى فكها للأسفل وهتفت في غير تصديق
معقولة
أكد لها بإيماءة من رأسه قبل أن يناولها الكتيب
أيوه عندها ورم ليفي على المبيض.
عندما علمت بتفاصيل مرضها تعاطفت معها ووضعت يدها على فمها للحظة وأخبرته في إشفاق
طبعا..
ساد السكوت بينهما للحظات
متابعة القراءة